
دار الوساطة والتحكيم الفلسطينية
الذكاء الاصطناعي والعمل القضائي: ثورة رقمية أم تهديد لميزان العدالة؟
في خضم التحولات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم، تقف الأنظمة القضائية أمام تحدٍ مزدوج: كيف توظّف الذكاء الاصطناعي لتعزيز كفاءتها، دون المساس بجوهر العدالة؟
هذا هو السؤال المركزي الذي تناولته دراسة تحليلية مميزة أعدّها الأستاذ الدكتور محمود أحمد سيد، والباحثة مريم عماد محمد عناني، والتي أُدرجت مؤخرًا ضمن مكتبة دار الوساطة والتحكيم الفلسطينية، تحت عنوان: "الذكاء الاصطناعي والعمل القضائي – دراسة تحليلية مقارنة".
مبحث أول: بين التقنية والقضاء… أين يلتقيان؟
تستعرض الدراسة في مبحثها الأول الحدود الفنية والعملية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال القضائي. إذ يشير الباحثان إلى إمكانات واسعة لهذه التقنية، تشمل تحليل السوابق القضائية، مساعدة القضاة في إصدار الأحكام، وتوفير أنظمة رقمية ذكية للفصل في النزاعات البسيطة والمتكررة.
الأمثلة التطبيقية تشمل استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في قضايا المرور، الأحوال الشخصية، والنزاعات العمالية، وذلك في عدد من الدول مثل الصين وإستونيا. واللافت أن هذه التقنية، وفقًا للدراسة، لا تهدف إلى استبدال القاضي، بل إلى تمكينه من اتخاذ قرارات أسرع وأكثر استنارة.
مبحث ثانٍ: الأخلاقيات أولاً… لا عدالة بدون ضمانات
لكن، ما الضمانات التي تُبقي الذكاء الاصطناعي في خدمة العدالة، لا في خصومتها؟
هنا، ينتقل البحث إلى المبحث الثاني، ليؤكد على ضرورة وجود إطار قانوني وأخلاقي محكم، يحمي العدالة من الانحرافات التقنية.
تُبرز الدراسة مجموعة من المبادئ الجوهرية، على رأسها:
-
ضمان المحاكمة العادلة حتى في وجود خوارزميات ذكية.
-
الحق في المساواة وعدم التمييز، خصوصًا في ظل احتمالية انحياز الخوارزميات إذا بُنيت على بيانات غير متوازنة.
-
حماية الخصوصية والبيانات الشخصية، كجزء من احترام الكرامة الإنسانية.
-
الشفافية، أي معرفة كيف ولماذا وصلت المنصة الذكية إلى قرار معين.
تُعزّز هذه النقاط بتجارب تشريعية متقدمة، كالميثاق الأخلاقي الأوروبي للذكاء الاصطناعي في القضاء، والاستراتيجية الإماراتية الطموحة في هذا المجال.
الذكاء الاصطناعي: شريك لا بديل
تخلص الدراسة إلى رؤية متوازنة:
الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا للعدالة، بل قد يكون شريكًا لها، شرط أن تُضبط العلاقة بقواعد واضحة. فبينما يمكن للأنظمة الذكية تسوية آلاف القضايا الصغيرة بكفاءة، ستظل القضايا المعقدة بحاجة إلى البصيرة الإنسانية، والتقدير القضائي، والتعاطف الإنساني.
توصيات استراتيجية: خارطة طريق للتحول الرقمي القضائي
وضعت الدراسة في ختامها مجموعة توصيات عملية، يُمكن أن تمثّل خارطة طريق لصنّاع القرار في القضاء الفلسطيني والعربي:
-
إطلاق خطة وطنية رقمية تتبنّى إدماج الذكاء الاصطناعي تدريجيًا في المنظومة القضائية.
-
سن قوانين خاصة بالقضاء الإلكتروني تنظم بدقة حدود استخدام التقنية.
-
إشراك القطاع الخاص والخبرات التقنية في بناء المنصات القضائية الذكية.
-
تدريب مستمر للقضاة والمحامين على استخدام الأدوات الذكية، دون الإخلال بمهاراتهم القانونية الجوهرية.
قيمة مضافة للمكتبة القانونية الرقمية
بإدراج هذه الدراسة ضمن مكتبتها العلمية، تؤكد دار الوساطة والتحكيم الفلسطينية على التزامها بدورها كمؤسسة علمية ورائدة في متابعة تحولات العدالة الرقمية، وتوفير المعرفة المعمقة للمختصين والباحثين وصنّاع القرار.
هل يمثل الذكاء الاصطناعي مستقبل العدالة؟
ربما لا يحمل الإجابة طرف واحد، لكن ما تؤكده هذه الدراسة هو أن الطريق إلى هذا المستقبل يبدأ من تشريع متوازن، وتفكير نقدي، واستعداد تقني، تضع الإنسان دائمًا في صلب المعادلة.
للإطلاع على الدراسة كاملة،الروابط اسفل المقال