
المستشار أمجد علي الخضر
شرط التحكيم أحادي الجانب ومدى قانونيته وفق المبادئ القانونية الدولية
تعريف شرط التحكيم أحادي الجانب (UOAA)
شرط التحكيم أحادي الجانب هو بند تحكيمي يمنح أحد الأطراف فقط سلطة حصرية لاختيار وسيلة تسوية النزاع، سواء باللجوء إلى التحكيم أو التقاضي أمام المحاكم، بينما يلتزم الطرف الآخر بالخيار الذي يمليه الطرف الأول.
لماذا يعتبر شرط التحكيم أحادي الجانب شرطًا معيّبًا؟
يُعتبر هذا النوع من الشروط معيّبًا وغير عادل قانونيًا لأسباب متعددة ترتكز على مبادئ العدالة، المساواة التعاقدية، وحماية حقوق الأطراف، وهي كالتالي:
أولًا: الإخلال بمبدأ المساواة بين الأطراف
التحكيم يعتمد على مبدأ المساواة بين الأطراف، وهو ركن أساسي في أي اتفاق تحكيمي.
- عندما يمنح شرط التحكيم طرفًا واحدًا فقط الحق في تحديد آلية تسوية النزاع، فإنه يخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين الأطراف ويضع الطرف الآخر في موقف تفاوضي ضعيف.
- الأنظمة القانونية الحديثة تشدد على ضرورة توازن الحقوق والالتزامات في العقود، وأي بند يمنح أحد الأطراف سلطة غير متكافئة قد يُعتبر باطلًا أو غير ملزم.
المرجع القانوني:
- المادة 18 من قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي تنص على ضرورة معاملة الأطراف بإنصاف وتكافؤ خلال إجراءات التحكيم.
- المحكمة العليا الفرنسية (في قضية Rothschild عام 2012) قضت بأن الشروط التي تمنح أحد الأطراف حقًا حصريًا لتحديد وسيلة تسوية النزاع تعد شرطًا تعسفيًا ومخالفًا للنظام العام.
ثانيًا: الغموض وعدم اليقين القانوني
يجب أن يكون اتفاق التحكيم واضحًا وصريحًا في تحديد طريقة تسوية النزاع.
- أحد المبادئ الأساسية في التحكيم هو وضوح نية الأطراف في اختيار التحكيم كوسيلة نهائية لحل النزاع دون اللجوء إلى المحاكم.
- عندما يتضمن العقد بندًا يمنح خيار التحكيم أو التقاضي لأحد الأطراف فقط، فإن ذلك يخلق عدم يقين قانوني حول آلية حل النزاع، مما قد يؤدي إلى تأخير وتعقيد الإجراءات القانونية.
المرجع القانوني:
- حكم محكمة التمييز في دبي (القضية رقم 735 لسنة 2024) أكد أن "أحد شروط تنفيذ بند التحكيم هو أن يكون البند واضحًا ويشير صراحةً إلى رغبة الأطراف في نزع الاختصاص عن المحاكم العادية ووضعه في يد هيئة التحكيم".
- محكمة النقض الفرنسية أصدرت قرارات سابقة تُبطل البنود التحكيمية أحادية الجانب بسبب عدم وضوح نية الأطراف في الالتزام بالتحكيم.
ثالثًا: انتهاك مبدأ العقد شريعة المتعاقدين بشكل غير متوازن
مبدأ العقد شريعة المتعاقدين (Pacta Sunt Servanda) لا يسمح بفرض التزامات غير متوازنة.
- رغم أن القانون التجاري الدولي يحترم حرية الأطراف في الاتفاق على شروط التعاقد، إلا أن ذلك لا يمنح أحد الأطراف سلطة مطلقة في فرض شروط غير عادلة.
- بعض الأنظمة القضائية تعترف ببنود التحكيم أحادية الجانب إذا كانت متوازنة أو إذا تم التفاوض عليها بحرية، ولكن في حال كانت مفروضة من طرف أقوى على طرف أضعف، فإنها تعتبر شروطًا تعسفية.
المرجع القانوني:
- المادة 1134 من القانون المدني الفرنسي تنص على أن العقود يجب أن تحترم مبدأ حسن النية والتوازن في الالتزامات.
- محكمة لندن التجارية في قضايا متعددة رأت أن العقود التجارية يجب أن تكون متوازنة بين الطرفين، وأي بند يمنح طرفًا واحدًا ميزة التحكم في آلية النزاع يُعتبر غير قابل للتنفيذ.
رابعًا: إمكانية إساءة استخدام الشرط من قبل الطرف المسيطر
منح أحد الأطراف سلطة تقرير وسيلة حل النزاع قد يؤدي إلى إساءة استخدام الحق القانوني.
- في العقود التجارية، قد يستخدم الطرف الذي يمتلك هذا الخيار ميزة استراتيجية لإطالة النزاع، وتأخير التسوية، أو اختيار آلية تحكيم مكلفة أو غير ملائمة للطرف الأضعف.
- هذا الوضع يضعف مفهوم التحكيم كوسيلة عادلة وفعالة لحل النزاعات، حيث يصبح الأضعف اقتصاديًا مُجبَرًا على قبول قرارات الطرف الأقوى.
المرجع القانوني:
- اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم وتنفيذها تسمح برفض تنفيذ حكم تحكيم إذا كان يتضمن شرطًا تعسفيًا أو يتعارض مع النظام العام.
- قانون العقود الإنجليزي يشترط أن تكون العقود عادلة ومتوازنة، وأي بند يمنح طرفًا سيطرة غير متكافئة قد يُلغى من قبل المحاكم.
خامسًا: تعارضه مع النظام العام في العديد من الدول
الأنظمة القضائية الحديثة تميل إلى رفض تنفيذ شروط التحكيم أحادية الجانب باعتبارها مخالفة للنظام العام.
- في العديد من الدول، يُعتبر شرط التحكيم أحادي الجانب شرطًا تعسفيًا ينتهك مبادئ العدالة والمساواة.
- بعض الدول، مثل فرنسا وروسيا والإمارات، قضت بعدم قابلية تنفيذ هذه الشروط لأنها تمنح طرفًا واحدًا ميزة غير عادلة في تحديد وسائل حل النزاع.
المرجع القانوني:
- محكمة التمييز في دبي (2024) أكدت أن شرط التحكيم أحادي الجانب غير ملزم لأنه "يمنح ميزة لطرف على الآخر في الحق في اختيار طريقة ومكان حل النزاعات".
- محكمة العدل الروسية العليا أصدرت حكمًا في 2012 يقضي بأن البنود التي تمنح أحد الأطراف فقط خيار اختيار آلية النزاع تُعتبر باطلة لأنها تنتهك مبدأ العدالة.
لماذا يعتبر شرط التحكيم أحادي الجانب شرطًا معيّبًا؟
بناءً على ما سبق، فإن شرط التحكيم أحادي الجانب يُعتبر غير عادل وغير ملزم قانونيًا للأسباب التالية:
- الإخلال بمبدأ المساواة بين الأطراف.
- الغموض القانوني وعدم الوضوح في نية الأطراف.
- عدم احترام مبدأ العقد شريعة المتعاقدين بشكل متوازن.
- إمكانية إساءة استخدام الشرط من قبل الطرف المسيطر.
- تعارضه مع النظام العام في العديد من الأنظمة القضائية.
لذلك، تحذّر المحاكم الدولية من استخدام هذه البنود، وتدعو إلى صياغة شروط تحكيم عادلة ومتوازنة تحترم مبدأ المساواة بين الأطراف.
إذا كنت ترغب في معرفة المزيد حول صياغة شروط التحكيم بطريقة سليمة، تقدم دار الوساطة والتحكيم الفلسطينية برامج تدريبية متخصصة لضمان صياغة عقود تحكيم عادلة وفعالة.
المستشار أمجد علي الخضر