المستشار وديع نوفل
القصور في التسبيب و الفساد في الاستدلال
هذا الموضوع من أهم ما يجب أن يتقنه المحكَّمون الجدد، لأنه يرتبط بصحة الأحكام، سواء كانت قضائية أو تحكيمية. الصورة تتحدث عن أخطاء الأحكام القضائية، وهي تنطبق أيضًا على قرارات المحكمين، لأن الحكم التحكيمي يخضع للمراجعة من حيث الشكل والمنطق القانوني، لا من حيث الموضوع.
دعنا نفكك الفكرة ببساطة وعمق في الوقت نفسه:
أولاً: الفكرة العامة
العدالة المطلقة لا تتحقق إلا في العلم الإلهي، أما في القضاء والتحكيم فهي عدالة بشرية نسبية، قد يدخلها الخطأ أو القصور.
ولذلك نصت القوانين (ومنها قانون أصول المحاكمات الفلسطيني) على إمكانية الطعن أو البطلان في حال وجود أخطاء جوهرية في الحكم.
ثانياً: نوعا الخطأ الأساسيان في الأحكام
1. القصور في التسبيب
* ويقصد به أن الحكم لا يبيّن أسباب قراره بشكل واضح.
* القاضي أو المحكم يجب أن يوضح:
1. ما هي الوقائع الثابتة في الدعوى؟
?. ما هي الأدلة التي استند إليها؟
?. كيف استخلص النتيجة من هذه الوقائع؟
> إذا اكتفى الحكم بالنتيجة دون بيان المسار المنطقي والقانوني الذي قاد إليها، فيُعد قاصر التسبيب، أي غير مسبب بما فيه الكفاية.
والأثر: يمكن إبطاله أو نقضه، لأن "الأسباب" هي التي تمنح الحكم مشروعيته.
مثال عملي للمحكّمين:
إذا صدر قرار تحكيمي بإلزام أحد الأطراف بدفع مبلغ دون أن يُبيَّن على أي بند من العقد أو أي دليل مالي استند إليه، فسيكون القرار عرضة للإبطال أمام المحكمة المختصة.
2. الفساد في الاستدلال
> يحدث عندما يستنتج القاضي أو المحكم نتيجة غير منطقية، أو يستخلص من الأدلة ما لا تحتمله.
بمعنى آخر: الدليل موجود، لكن طريقة فهمه أو الربط بينه وبين النتيجة غير عقلانية أو تتعارض مع منطق الواقع.
مثال تطبيقي:
أن يستنتج المحكم من وجود مراسلات تجارية أن هناك "قبولاً صريحًا بالعقد"، في حين أن المراسلات كانت مجرد تفاوض. هنا يوجد فساد في الاستدلال لأن النتيجة لا تتفق مع دلالة الوقائع.
ثالثاً: الفرق بينهما
> القصور في التسبيب = غياب السبب أو ضعفه.
> الفساد في الاستدلال = وجود السبب لكن بمنطق معيب أو نتيجة غير صحيحة.
رابعاً: الأثر القانوني
في القضاء: يؤدي ذلك إلى نقض الحكم أمام محكمة النقض.
وفي التحكيم: يؤدي إلى بطلان الحكم التحكيمي عند الطعن به أمام المحكمة المختصة بالبطلان (وفق المادة 39 من قانون التحكيم الفلسطيني).
خامساً: الخلاصة التدريبية للمحكّمين
* كل قرار تحكيمي يجب أن يكون مسببًا تسبيبًا كافيًا ومنطقيًا.
* الأسباب يجب أن تكون واقعية (مبنية على وقائع ثابتة) وقانونية (مرتبطة بنصوص واضحة).
لا يكفي أن يكون الحكم عادلاً في النتيجة، بل يجب أن يبدو عادلاً في تسبيبه.
الحكم الذي يخلو من منطق قانوني واضح أو يربط بين أدلة ونتائج بشكل غير مبرر مصيره البطلان.